وماذا بعد إعدام الخمسة؟؟ ... بقلم : ميسون حاج قدور

شكى رجلٌ للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عقوق ولده ..وحين سأل الخليفة الولد عن سبب عقوقه قال : يا أمير المؤمنين لقد أساء أبي اختيار اسمي واختيار أمي ولم يربني على شرع الله تعالى ...

فما كان من الخليفة إلا أن ضرب بدرته ذلك الأب قائلا له :لقد عققت ولدك قبل أن يعقك .. أعينوا أبناءكم على بركم.....
*بعد إنزال عقوبة الإعدام شنقا بأولئك المجرمين الذين روعوا أمن سكان مدينة حلب وما حولها ..
سؤالٌ يطرح نفسه: .. هل بإعدام المجرمين الخمسة تنتهي الأعمال الإجرامية في مدننا السورية .. وهل بإعدامهم سيعتبر أمثالهم أو سيعيدون النظر بتصرفاتهم ويعلنون التوبة الأبدية من الجريمة ؟!!!
بالطبع لن يحدث ذلك بالنسبة لأولئك الذين ماتت قلوبهم وإنسانيتهم فاستمرؤوا القتل والنهب والإجرام ... حين قرأت الخبر أحسست بالجزع على أولئك الضحايا الأبرياء الذين لم يكن ليخطر ببالهم أن يموتوا تلك الميتة ودون أي جرم ارتكبوه ....سوى أن بعض الشباب الشقي قد أراد إنهاء حياتهم بأعصاب باردة ...رحمهم الله تعالى وألهم الصبر لأهليهم وعائلاتهم ...
*ولكن هناك شعور غريب انتابني حين تناهى لمسمعي أن أحد الخمسة كان يصرخ بأعلى صوته لزميله قبل الإعدام :الله لا يسامحك متل ما جريتني لهالطريق ..!!
الكثير الكثير من التعليقات التي تلت الخبر معظمها يتسم بالتشفي من أولئك المجرمين ولكن هل سأل أحدنا نفسه لماذا ؟؟
شباب في عمر الورد أكبرهم لم يتخطى ال22 عام ما الذي دفعهم لهذا الطريق ومن المسؤول عن تلك النشأة الخطيرة التي نشؤوها وأين كان الأهل ...المدرسة ....المجتمع ..الدولة .. حين تطورت تلك الشخصيات لتصبح بالشكل الذي آلت إليه من الخطورة وهل أحس أحد من أهل هذا المجرم أو ذاك أن ولده ذا ميول عدوانية ؟
طبعا لم يستيقظ أحدهم ليجد نفسه بقدرة قادر مجرما ولم تلده أمه وقد ورث الإجرام أبا عن جد ...ألم يئن الأوان لعقد الندوات وحتى المؤتمرات التي تقف على حقيقة ما يجري في مجتمعنا وما الظروف التي تدفع الشباب للسلب والنهب والقتل والتهريب والمخدرات( التي تنذر بدمار المجتمع برمته )..!!
*في كل سنة ومع إصدار نتائج الشهادتين الثانوية والإعدادية فإن المقابلات التي تجريها وسائل الإعلام مع أهالي المتفوقين وسؤالهم عن الظروف التي أحاطت بأبنائهم ودفعتهم وساعدتهم على التفوق والتكريم(المتواضع) الذي يحظى به أولئك المتفوقين من الدولة وأحيانا من القطاع الخاص يجعلنا نطالب تلك الجهتين معا الدولة بكل مؤسساتها التعليمية والتربوية وكذلك أصحاب الجامعات والمدارس والمعاهد الخاصة للوقوف جنبا إلى جنب وإعطاء القليل القليل من الاهتمام بالشباب الفاشل الضائع العاطل عن العمل والجاهل هذه المرة و تفنيد الأسباب المؤدية والتربة الخصبة التي تنشأ في كنفها الجريمة والاستعانة بخبراء في علم التربية والنفس والاجتماع ثم وبعد الوقوف على الأسباب على كل جهة عامة أو خاصة( من أصحاب رؤوس الأموال )إيجاد الحلول الناجعة لتلك الأسباب والقضاء على مصادر الفساد والإفساد وذلك بالتوجيه عن طريق وسائل الإعلام مكافحة الأمية والفقر والغلاء .. وإنشاء مشاريع تستوعب اليد العاملة الغير متعلمة والعمل على بناء مساكن شعبية بأسعار تتناسب وأولئك الفقراء (وبشروط إنسانية) بدلا من بناء المشاريع التجارية الصرفة التي لا يهدف أصحابها إلا للربح السريع مساهمين بجشعهم بزيادة الغلاء المجنون حيث تزيد الهوة بين فئات المجتمع وتنقرض الطبقة الوسطى نهائيا
* أما الفقراء فيزيد فقرهم وعَوزهم حتى يصبح رغيف الخبز والمأوى جلَّ همهم وحين يزل الواحد منهم فيسرق أو يرتكب الجرائم فإن يد العدالة العمياء له بالمرصاد ...!و أما الأغنياء فيزيدون مالا وجاهً ومناصب ومكاسب.. فينسى أحدهم من كان ومن أين أتى !! فيسلب وينهب ويغش ويحتكر.. ولكن العدالة لا تراه هذه المرة (لأنها عمياء طبعا )!!
*وأما رجال الدين فإن لهم دورأ مهما جدا في الحد من جنوح الشباب للجريمة وذلك ببناء المدارس والمستوصفات المجانية من التبرعات إلى جانب الجوامع (التي أصبحت متاحفا يتباهى بها المسلم أمام السياح كأي معلم سياحيٍ آخر!!!) ويتبارز السادة المشايخ فيمن سيستلم الجامع الفلاني متناسين أصلا أن التطاول والتباهي بالمساجد من علائم الساعة الصغرى!! أما خطب الجمعة وللأسف الشديد فمعظمها بعيد كل البعد عن الواقع بمشاكله ومآسيه من غلاء وفقر وفساد ورشوة واحتكار وتفكك أسري وطلاق وتشرد .*وأخيرا فإن دور الأهل هو الأهم بالتربية السليمة والمراقبة الدائمة لتصرفات أبنائهم ومعرفة من يصاحبون (وخاصة في سن المراهقة المعروف الخطورة) والحيلولة دون انزلاقهم في طريق الجريمة في الوقت المناسب ....والتعاون بذلك مع المدرسة ........
قد يعتبر البعض ما أقوله صرخة في واد!!أو من قبيل المثاليات مستحيلة التحقيق !
*ولكن يا إخوتي لكل منا إبن أو أخ أو قريب معرض (لا سمح الله تعالى) للولوج لذلك العالم الموبوء إما عن طريق الفضاء المفتوح على مصراعيه و الذي جعل العالم قرية صغيرة وأتاح لبعض الشباب أن يشاهد ويتأثر بسلبياته قبل إيجابياته أو عن طريق رفاق السوء الذين يهدون بلحظة واحدة ما بناه الأهل العمر كله ...وهناك الكثير الكثير من المنافذ المؤدية للجريمة...
*وعلى كلٍ هذا إنذارٌ لنا بالخطر كأهل ومجتمع ودولة ورجال دين وأصحاب العلم والمال والخبرة لنتعاون في الحد من انتشار الجريمة وإنقاذ شبابنا.. ***الذي كان الأولى به أن يكون من المهندسين والأطباء والجامعيين والموظفين الشرفاء والفنييين وأصحاب الحرف بكل أنواعها ....لا من المعلقين على أعواد المشانق***
* حماكم الله تعالى يا أبناء وطننا الحبيب ويا شبابنا وفلذات أكبادنا من كل سوء فأنتم الأمل وأنتم طوق النجاة .. وأعاننا الله تعالى على رعايتكم بكل جوارحنا وإمكانياتنا النفسية والعلمية والمادية وإحاطتكم بالحب والدفء والحنان الذي بفقده يفقد المرء توازنه وإنسانيته ....فكل منا راع ومسؤول عن رعيته كما قال "عليه الصلاة والسلام .."